تطوير الذات
الفرق بين القصة والرواية.. فوارق جوهرية وتشابه طفيف
بين الرواية والقصة.. فوارق جوهرية وتشابه طفيف
الرواية والقصة والفرق بينهما، إذ إن كثيرين يصفون قاصّاً ما بأنه راوٍ، وذلك لكونه سرد قصة في مجموعة تقع في عشرات الصفحات، وهذا هو الخطأ الذي لا يمكن تجاوزه لدى أولئك “الكثيرين” إلا بتبيان ماهية الرواية وماهية القصة والفرق بينهما.
بادئ ذي بدء، لا بد من طرح مثال ليسهل علينا الدخول في عمق المقال الطويل هذا. هل يتشابه سيناريو الفيلم السينمائي الواقع في ساعتين مع سيناريو المسلسل الدرامي الواقع في ثلاثين حلقة؟ بالتأكيد لا. من هنا علينا إدراك أن التشابه في الشكل لا يعني وقوع الشبه في أي تفصيل آخر، سواء بين الفيلم والمسلسل، أو بين موضوعي بحثنا الحالي “الرواية والقصة“.
دعونا نتعرف إلى الرواية والقصة لنصل إلى الفوارق بينهما.
مفهوم الرواية والقصة
بالتأكيد سيقع الشبه بينهما في جزئية الشكل ليس إلا، فالاثنتان سرديتان، وكلاهما تتناول حكاية فيها بطل وأشخاص آخرون، وكذلك هناك بيئة تجري فيها القصة، فضلا عن أن كلا منهما تنحصر بين دفّتي كتاب يؤلفه الراوي في الرواية، والقاصّ في القصة القصيرة.
لكن ما هي الرواية وماهي القصة؟
مفهوم الرواية:
الرواية نصًّ أدبي طويل تتشابك فيها سلسلة من الأحداث نقسم إلى فصول قد تكون مرقمة أو مجدولة. يسمى كاتب الرواية “الروائي” وقد يستغرق في وضع روايته سنوات طويلة.
يقول جورج لوكاتش إن الرواية هي التعبير المكافئ للملحمة في العصر الحديث. واعتبرها نقاد آخرون النوع الأدبي الأكثر نموذجية للمجتمع البرجوازي في ذروة سيادته على العالم.
مفهوم القصة:
هي نص أدبي أيضا تدور أحداثه حول حدث رئيسي واحد يشارك فيه عدد محدود من الشخصيات، بحيث لا يكون صعبا على القارئ أن يتذكر كل الشخصيات في القصة، على عكس الرواية تماما. القصة القصيرة لا تستهلك وقتا طويلا حتى ينجزها كاتبها، ولكن هذا سيرتب عليه جهودا إضافية ليصل للهدف وليوصل رسالته للجمهور. يسمى كاتب القصة ” القاصّ” أو ” كاتب القصة القصيرة”.
هنا إشارة موضوعية إلى أن الروائي قد يبدأ بكتابة القصة ثم يتطور، أما كاتب القصة ” المتخصص بها” فيصعب عليه أن يبدأ بالرواية ثم يتراجع إلى القصة القصيرة.
الفرق بين الرواية والقصة
تحتوي الرواية على عدد غير محدد من الشخصيات، سواء الرئيسية أو الثانوية، وقد يبرز فيها بطل واحد (وهو المطلوب على الأقل) وقد يظهر لنا عدة أبطال يظهرون على الدوام في حال وجدوا. أما الشخصيات الثانوية، فقد تظهر دائما، وقد تختفي بين الحين والآخر، ولكن من الشروط الملزمة ألا يكون في الرواية شخصية هامشية مهما كانت ثانوية، فلكل شخصية حضورها في القصة، فيما القصة تختلف تماما.
المدة الطويلة التي يستغرقها الروائي في كتابة روايته تسعفه لإضافة ما يريد ويزيد، فبإمكانه أن يضيف شخصيات أخرى لم تكن حاضرة في البداية، وقد يلغي شخصيات أخرى يستعيض عنها بآخرين. وهذه المدة تساعده، بطبيعة الحال، على بناء الذروة على مهل، فالوقت كافٍ لديه لاستخدام الإلهام والإبداع ليربط الأحداث التي تبنى عليها قصته الطويلة “ الرواية“.
أما في القصة القصيرة فيختلف الأمر، إذ يمكن للكاتب أن يبني قصته وأحداثه على بطل واحد فقط، وعادة لا يزيد عدد الأبطال عن ذلك، كما ويمكن مشاركة شخصيات أخرى في الأحداث ولكن يشترط أن تكون جميعها تدور في فلك البطل مهما بلغت أهمية هذه الشخصية أو تلك.
كذلك في موضوع الزمن اللازم لكتابة الرواية، فالأحدث في القصة تستغرق أحداث يوم واحد إلى أسبوع على الأكثر وينتهي كل شيء ويصبح لزاما على الكاتب أن يبرق رسالته للجمهور، كما أن الذروة في القصة القصيرة قد لا تكون ملحة، إذ يمكن أن تسارع الأحداث للوصول إلى النهاية التي تكون هي بمثابة الذروة وهذا بعكس الرواية التي قد تعدد فيها الانقلابات ونقاط التحول والذروات بالنظر إلى طول الأحداث وتعدد البيئات وتكاثر الزمن.
فارقان جوهريان يمكن استعراضهما هنا، فالروائي، بمجرد أن يبدأ كتابة روايتهـ سيصعب عليه القيام بأي عمل آخر على سبيل الرواية قبل انتهاء روايته، لأن التداخل سيسبب مشكلات له، فيما كاتب القصة قادر على ترك قصته بعض الوقت والبدء بوضع أساسات لقصة أخرى ومن ثم العودة للقصة الأولى.
الفارق الآخر، مهم جدا، وهو أن الرواية ملحمية بامتياز، فيما لا يمكن للقصة القصيرة أن تمنح هذه الصفة، لأن موضوعها قصير ورسالته سريعة الوصول.
الطول بين الرواية والقصة
هنا يكمن الفرق المرئي للقارئ، فبين الرواية والقصة مسافات طويلة، سواء زمنية أو مكانية، أو ورقية، أو حتى حكائية، ويبرز كل نوع منهما بشخصية مستقلة تحدد الطول الذي يمتد إليه الحدث وتفاصيله، والفرق هنا (الطول) جوهري ويكرس الفرق بين كل ما يتعلق بالرواية وكل ما يتعلق بالقصة: عناصر كتابة الرواية، مفهوم الرواية، عناصر كتابة القصة، مفهوم القصة، الشخصيات في الرواية، الشخصيات في القصة.. إلخ.
الطول في الرواية:
هناك تحديد نظري لعدد كلمات الرواية وتم تقديره بـ ” 50 ألف كلمة” وما فوق. إلا أن هذا يبقى نظريا وإن كان العدد الحقيقي يدور في هذا الفلك. فالرواية قد تمتد لأكثر من ذلك بكثير، وقد تقل عن الخمسين ألف كلمة بألفي كلمة أو ثلاثة آلاف. لكن المعروف أن الرواية لا أفق لها، ولا يمكن وضع حد لنهايتها إلا حين تتكامل كل عناصرها، وتصل إلى النتيجة النهائية. هناك روايات قد تتعدد أجزاؤها ويكون كل جزء منها واقعا في 100 ألف كلمة.
الطول في القصة:
لا مجال لمقارنة طول القصة بطول الرواية، فالقصة القصيرة محصورة فعليا بعدد محدد من الكلمات، تبدأ بـ 1500 كلمة، وتنتهي بـ 30 ألف كلمة، ولا يجوز القفز أكثر من ذلك لأن المفروض أن تكون قد استوفت كامل شروطها في هذا الحد المرسوم.
من هنا يمكن القول بأنه قد تتطور القصة لتصبح رواية، ولكن يستحيل أن تنحدر الرواية لتصبح قصة.
هل يمكن أن تحول القصة إلى رواية؟
حدث هذا كثيرا في الماضي، ولكن في النهاية كانت النقاد يعيدون كل شيء إلى مكانه. إذ إن قصصا قصيرة أراد كتاب آخرون تحويلها إلى روايات، ففشلت الرواية وقال النقاد بأنها قصة طويلة، والقصة الطويلة مسمى غير مصنف في الأنواع الأدبية أصلا. ومراد القول هنا إن الرواية بصفتها ملحمة يجب أن تتوفر على حكاية ملحمية، والقصة القصيرة لا يمكن أن تبنى على ملحمة في الأساس وبالتالي ستفشل الرواية المأخوذة عن قصة بكل تأكيد.
الشخصيات في الرواية:
قد لا يختلف تعريف شخصيات الرواية عنه في القصة القصيرة، والأهم أنه في الحالتين يتوجب أن تكون الشخصيات التي يختارها الكاتب سواء في الرواية أو في القصة القصيرة مخلوقة، على ورق، من لحم ودم، بحيث تخضع للمنطق الإنساني المعهود. بمعنى أنه لا يجوز أن نعتمد شخصية ثابتة على جانب نفسي واحد، بل يجب أن تتمتع الشخصية بالتحولات والانقلابات التي تطرأ على الإنسان في الواقع، فالوضع النفسي يجب أن يراعى بكامل تفاصيله “انفعال، غضب، مرح، سعادة، يأس… إلخ”. كذلك الشروط اليومية لأي إنسان يواجه مشكلة، مثل الإقدام على التحديات، الجبن والخوف من التحدي، إجبار نفسه تالياً على الخوض في المعمعة، تجميع الحلفاء حوله، مواجهة الشر، اليأس، الإيمان بالنصر، الانتقال من متلقي للأوامر إلى مرسل لهذه الأوامر للغير.
إن الشخصيات هي الأهم في المعادلة، سواء في الرواية أو القصة القصيرة، والكاتب المبدع هو الذي ينجح في جعل الشخصيات تتحرك على الورق أمام أعين القارئ، ويجعله يتنبأ بالكثير من المسائل النفسية للبطل أو للشخصيات الأخرى قبل حدوثها. هذا يقودنا إلى أننا لسنا أمام أبطال ورقيين أو مخلوقات تعيش في خيال الكاتب، بل يجب أن نجعل خيال هذا الكاتب حياةً واقعية من خلال نقلها إلى خيال القارئ. علينا هنا أن نتذكر رواية “كليلة ودمنة” لابن المقفع والتي تعتبر من روائع الأدب المشرقي القديم وكيف جعل الحيوانات تتكلم بلسان البشر وتبدي مواقفها بعواطف إنسانية وتقلبات وانقلابات ومفاجآت وسعادة وحزن وسيطرة ومنطق وخروج عن المنطق، ما أدى إلى تفاعل كل القراء في الشرق والغرب معها، ومرد ذلك بطبيعة الحال هو إبداع الكاتب في جعل الشخصيات تتحرك على الورق لتقفز بسهولة إلى خيال الناس عند القراءة.
يبقى لدينا فارق جوهري ولا شك وهو في أن الشخصية في القصة تكون مسطحة وثابتة لا تتغير (الشرير يبقى شريرا، والخيّر يبقى خيرا) فيما التحولات في الشخصيات في الرواية تبقى المحرك الأساسي لنجاح الرواية والوصول إلى الذروة ومن ثم الرسالة التي سيبرقها الكاتب للجمهور.
الأحداث:
الحدث في الرواية يختلف تماما عنه في القصة، فالأحداث مرتبطة بعوامل الزمان والمكان أولا، وطالما كان الزمن في الرواية طويلا فقد تعددت الأماكن، وهذا يقودنا بالضرورة إلى تشعب الأحداث وكثرتها وولادة أحداث جديدة من أحداث قديمة. كل هذا يختلف تماما عن الحدث في القصة القصيرة التي قد تبدأ وتنتهي عن يوم واحد أو أسبوع على الأكثر، وندر أن تعددت الأحداث فيها إذ إنها تقتصر غالبا على حدث واحد وعلى مكان واحد.
الحدث في الرواية:
في الرواية يشترط في الكاتب أن يكون قد عاش الكثير من فصول روايته التي يكتبها، إذ يقول كبار الروائيين العالميين إن الرواية هي أحداث جرت ويتم نقلها إلى المستقبل بصورة مختلفة، ولا يمكن بناء رواية للمستقبل من العدم وهذا هو جوهر تفضيل الرواية على كل أنواع الأدب الأخرى. ونجد في الكثير من الروايات ملاحظة يقدمها الكاتب يقول فيها :” الأحداث التي سترد في هذه الرواية قد تتشابه مع أحداث وقعت في المجتمع وفي الواقع والتشابه هنا محض صدفة وعن غير قصد”. الكاتب لا يقول بأن أحداثه إذا حدثت مستقبلا فهي محض صدفة، وهذا يعني أن يكتب عما حدث ولو من بنات أفكاره وليس هما سيحدث مستقبلا.
الحدث في القصة القصيرة:
أما في القصة القصيرة فالأمر مختلف، بحيث يمكن للكاتب أن يقص رواية مستقبلية يريد فيها إرسال رسائل تنبؤية عن القادم دون أن يكون للقصة علاقة بشيء قد مضى. هذا يسير بنا إلى الاقتناع بأن الرواية بنتُ الماضي بحكم الحدث، فيما القصة هي بنتُ اليوم والمستقبل، وفيما لو كانت عن أحداث قد مضت ستخسر الكثير من الوهج لدى القارئ الذي لا يرى من المناسب أن يقرأ قصة من خمسين صفحة عن حدث مر به في حياته، لكنه سيفضل ذلك في الرواية لأنه سيصل إلى تقاطعات واستنتاجات وسوى ذلك.
القضايا التي تعالجها كل من الرواية والقصة القصيرة
قد لا يكون هناك اختلاف جوهري بين القضايا التي تتناولها الرواية والقضايا التي تتناولها القصة القصيرة، ولكن أي تشابه بينهما في القضايا سيحسم للرواية كمنصة لتطوير وتنمية ما توقفت عنده القصة القصيرة.
القضايا التي تتناولها الرواية:
تناول الرواية كل شيء، فهي مجسم ورقي عن مجتمع كامل وبكل تفاصيله. هي تناول الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والسياسة والاقتصاد والحب وكل أشياء المجتمع، وتأتي مطورة عن القصة القصيرة وقضاياها.
والجدير بالذكر أن الكاتب المبدع هو من يستطيع تسخير كل المجالات المذكورة في رواية واحدة ولو بصورة مبطنة عن بعض تلك المسائل ومثال ذلك الأديب والروائي العربي الشهير نجيب محفوظ.
القضايا التي تعالجها القصة القصيرة:
قد تتشابه كما ورد في الفقرة السابقة، ولكن في القصة القصيرة قد تكون المعالجة محدودة بحكم ظروف الطول والزمن. مثلا، القصة تتناول الشؤون النفسية للمجتمع، وكذلك البوليسية والواقعية والرومانسية. وإذا توقفنا عند كل واحدة على حدا سنجد أن الرواية تتناولها ولكن باستفاضة وتفاصيل دقيقة.
على سبيل المثال، إذا كانت القصة القصيرة تتناول الواقعية والواقعية الاشتراكية، فالرواية تتناول الواقعية والواقعية الاشتراكية والواقعية والواقعية السحرية، والواقعية والواقعية التحليلية، والواقعية والواقعية الرمزية، وكذلك نجد الرواية التاريخية والوجودية والعبثية، وكل هذه لا يمكن أن تحضر إلا بشكل محدود في القصة القصيرة.
أنواع القصص والروايات:
أيا يكن، قد يستطيع المرء أن يروي قصة قصيرة ويستفيض فيها لساعات، وقد يقص أحدهم رواية طويلة في نصف ساعة، لكن هذا لا يعني أن التشابه قائم بين أنواع القصص وأنواع الروايات.
لدى كل نوع أدبي أنواع خاصة به يعرف بها، ويشهر كتابه في ميدانها، ولعل هنا التوضيح:
أنواع الرواية:
أهمها الروايات التاريخية والتي كانت أهم ما جاد به العرب في العصر العباسي تحديدا وما زال نمطهم ساري المفعول إلى يومنا هذا. ولدينا في الرواية النوع العاطفي والقائم على حكايا حب طويلة تحولت غالبا إلى أعمال فنية في التلفزيون والسينما والمسرح. ومن الأنواع في الرواية: النفسي والأخلاقي والمهني والرسائلي والديني، فضلا عن الماورائي، مثل الغموض والإثارة والخيال وسوى ذلك من أنواع تحفل بها الرواية.
أنواع القصة القصيرة:
يبرز في مقدمة أنواع القصة القصيرة النوع المثير “الأكشن”، ويأتي بعده البوليسي الذي اشتهر به الأدب القصصي الغربي منذ العصر الكلاسيكي، ويأتي عالم المغامرات والملاحم، ثم عالم الخيال، إلى عالم الجريمة والسيرة الذاتية، إلى التاريخي، فالرعب، فالسياسة فالفلسفة، ثم الدين والخيال العلمي ثم الحضاري، وقد وردت هذه الأنواع بالترتيب التفضيلي لها.
هذا البحث قد يطول وقد يقصر بحسب مزاج كل قارئ، لكنه يأتي فرصة لكل حالم بكتابة الرواية أو القصة القصيرة، للتحول إلى عالم الأدب والحصول على صفة أديب : روائي أو قاص.
تتشعب الفصول والأفكار، وقد تتشابه، ولكن حين نفصل بين كل بند وآخر، بين كل عنوان فرعي وآخر، بين كل متشابهين، سنصل إلى نتيجة نهائية تفيد بأن الطريق إلى كتابة الرواية أو القصة القصيرة يبدأ من مفهوم الرواية ومفهوم القصة، إلى تعريف الرواية لغةً واصطلاحا، إلى معرفة أنواع المكان في الرواية، إلى الحبكة في الرواية، إلى معرفة وصف الشخصيات في الرواية وفي القصة القصيرة، إلى أنواع القصص والروايات… وكل هذا سيجده القارئ في هذا المقال الذي تدعمه أكاديمية كن الرائدة في الشرق الأوسط في مجال الدورات التدريبية، والطامحة لتقديم كل جديد ومفيد في هذا العالم، وقد كانت اليوم معكم في كيفية كتابة القصص والروايات.