طالما كان المرء قائداً وفي كل مجالات الحياة، فقد توجّبَ عليه أن يحسن القيادة، إن كان لمشروع خاص به، أو لمحطيه، أو في وظيفة عامة يشغلها. فالنجاح في أي شأن، لا يتحقق، ما لم تتوفر غرفة قيادة يديرها شخص برتبة “قائد”.
ولمّا كان للقيادة الناجحة أساليب وطرق عمل ومناهج وسبل، باتَ وجود القائد، الحقيقي والناجح، مرهوناً بمواكبته لكل ما توصلت إليه الأبحاث النفسية والعقلية والجسدية من نظريات تدعم فكرة القيادة وبخاصة في هذا العصر.
وإذ نعترف، في شرقنا الأوسط، بأننا أهملنا ولعقود، مكمّلات العمل القيادي، يقرّ المراقبون، اليوم، بأهمية منصة “كُن” لتعليم فن القيادة، لتكون الرائدة في الشرق الأوسط لتعليم الأشخاص كيف يصبحوا قادة، ودعم القادة الراهنين في مسعاهم لإدارة أنفسهم ومحيطهم وذويهم، والأهم مشاريعهم، باقتدار وحنكة، وبكل ما هو بعيد عن الروتين والاعتباطية.
حيال ذلك، تصدت منصة “كُن” للمواجهة، وطرحت في إحدى أهم دوراتها التدريبية منهجا تدريبيا، نظريا وعمليا ” يتيح للراغبين بالوصول إلى مرتبة القادة، أن يتعلموا كل ما يتضمنه العمل القيادي، من أساليب وطرائق وخصائص وشروط ومبادئ ومتممات، وصولا إلى الكمالية”.
وتأتي الدورة ضمن مجموعة دورات تحاكي كل مناحي الحياة المعاصرة، ويشرف عليها الأستاذ الجامعي، الأميركي، مارشال جولدزسميث (71 عاما) الذي يضع عصارة خبرته الممتدة لعقود في خدمة مشروع تأهيل القادة، مرتكزا على نشاطه المستمر في كلية دارتموث، وعلى سيرة ذاتية واقعة في ثلاثين مؤلفاً تمت ترجمتها إلى ثلاثين لغة حول العالم.
في هذه الدورة، يحصل الطالب على مساعدة ودعم لتحقيق تغيير حقيقي وطويل في السلوك ينطلي على نفسه أولا، ومحيطه ثانيا، ومشاريعه وكل مناحي حياته ثالثا. لكن في الوقت نفسه، وهنا صميم الصميم، فإن خطة مارشال تستهدف ليس هذا التغيير وحسب، بل تستهدف تحويل العميل من شخص تغيّرَ، إلى شخص سيغيّر الآخرين. بمعنى من المعاني، سيصبح المتدرب اليوم، مدربا للآخرين غداُ!
حول ذلك يقول مارشال في استعراضه لمهمته كمدرب في أكاديمية “كُن:” هدفي هنا ليس فقط مساعدة عميلي لتحقيق تغيير إيجابي في السلوك، بل مساعدته ليصبح مدرباً أفضل ليستطيع تحقيق تغيير إيجابي طويل الأمد في السلوك، في فريقه، والذي سوف يحقق تغييرا إيجابياً أيضا بالنتيجة”.
في المنهج الذي يعتمده مارشال جولدزسميث ثمةَ أسس وقواعد لا يمكن التفريط بواحد منها أو التهاون في تطبيقها. يبرز في المقدمة عامل الوقت وأهميته بالنسبة للقادة، إذ لا يجوز بالمطلق إهداره تحت أي عذر كان، وفي هذا الجانب يقول مارشال إنه لديه عملية يشاركها مع متدربيه يسميها “تشكيل الفريق دون هدر الوقت”. وعنها يؤكد أنه شاركها مع عملائه في السابق وهم مدراء تنفيذيون أحبوها لأنها لا تهدر الوقت وفق تأكيده.
بيدَ أنه، وفي صدارة المنهج، تظهر لنا أداة تبدو كمذهبٍ يعتنقه مارشال في صياغة تأسيس القادة أو تأهيلهم سيتعلمها المتدربون ويعتنقونها بالضرورة. هذه الأداة يسميها مارشال “الرد البناء” أو عملية “الرد الدافع للأمام”.
ويعرّف مارشال هذه الأداة بأنها طريقة إيجابية ومطورة ينتج عنها تطوير القيادة تساعد في بناء الفريق وتطويره. بعد كل ذلك، يصفها بالأداة البسيطة، أي سهلة التعلّم والتطبيق. وفي هذا الصدد يقول مارشال في تقديمه للدورة:”هي أداة إيجابية مطورة وبسيطة، من أجل تطوير القيادة وطريقة التدريب وبناء الفريق وتطويره”.
ويضيف:”وهي مكون مركزي ومهم لمنهج التدريب الخاص.. وندعوها بالرد البناء”.
وضع مارشال في منهج الدورة قواعده، وكما أسلفنا فإن استثمار الوقت تربّع في الصدارة ويمكن أخذه من جهتين متناغمتين: يمكن صياغته بـ “ضرورة عدم هدر الوقت لدى بناء الفريق”.. ويمكن صياغته بـ “بناء الفريق دون هدر الوقت”.
إلا أن ثمة أسس وخصائص لا يمكن تجاوز أيٍ منها في عملية بناء القائد، ومنها المهارة في القيادة، وسيبرز مارشال في هذا الإطار قيمة السؤال وكيفية طرحه، وقيمة الاستماع والإنصات للآخرين، وعدم جدوى البحث عن أعذار عند التقصير.
كل هذا يأتي ضمن ورشة أداة العمل الأساسية التي انتهجها مارشال والتي سماها “الرد الدافع للأمام” أو الرد البناء.
التفكير وطرائقه وكيفية تحققه، بحث خاص في دورة القادة ومع مارشال أيضا. هنا تبرز النصائح: كيف تفكرون؟ كيف تتلقون ردود الفعل؟ كيف تُبْدُون ردودَ فعلكم على ردود أفعال الآخرين؟.. تحاشي الانجرار وراء ردود الفعل الهدامة؟ تحاشي الرد المزاجي.. عدم الرد عند الغضب!.
حتى الشخصية والسلوكيات مشمولة في الخطوات التي تبني القائد، ويتجلى ذلك في عامل اللياقة والذي يشكل بُعْداً رئيساً في نظريات مارشال، ويطرح مثالا في تطبيقها “ضرورة شكر الناس عن مجهودهم في خدمة المشروع”.
ويبحر بنا مارشال في نظرياته ليصل إلى المحفزات، ويقدمها لنا سلبا وإيجابا.. فالمحفز مطلوب وله تأثير على السلوك، لكن ثمة وجه آخر لها، يفرز مشكلات وأوهام تحصل من التفاعل.
تكثر الأسئلة في الدورة الخاصة بالقادة، لكننا سنكتشف في النهاية أننا أمام قائد تم تصنيعه في هذه الدورة من خلال ثمانية محاور مدتها الزمنية ثلاث ساعات ونصف الساعة قد يرى البعض أنها ليست كافية لتحقيق المطلوب ولكن تجارب أكاديمية “كن” السابقة تبين لنا أن الأمر ممكن ومحقق، وبخاصة أن خطاب الأكاديمية، وكذلك الأستاذ مارشال، موجه للقادة الناجحين، وهؤلاء غالبا يمكن التأثير بهم بشكل أسرع. يقول مارشال في كلمته المفتاحية للدورة:” مهمتي مساعدة القادة الناجحين، لتحقيق تغيير حقيقي وطويل الأمد، بالسلوك، لأنفسهم، وأناسهم، وفرقهم، وكل شيء”.
الدورة رائدة ومميزة ومما نحتاجه في الشرق الأوسط وعند الانتهاء من مشاهدة الدورة يتم منح شهادة معترف بها من أكاديمية “كن”، والدورة متاحة للطلاب باللغتين العربية والإنكليزية، وهي من ضمن مجموعة دورات تحاكي كل شؤون الحياة العملية والإعلامية والأدبية والاجتماعية.