المرأة وفن القيادة

المرأة وفن القيادة

جميعنا يعلم أن هنالك فروقاتٍ كبيرةً في طريقة التفكير بين النساء والرجال، وكانت هذه الفروقات، إلى ما قبل عقود قليلة،  جوهرية ، إنْ في الشكل أو المضمون، ذلك أن مسائل كثيرة، في تلك الحقب، ما قبل الانفتاح التكنولوجي الشامل، كانت ممنوعة عن المرأة. وتبقى مسألة القيادة لدى النساء، في مقدمة تلك الممنوعات، وبخاصة في شرقنا الأوسط.

اليوم، وفي ظل الانفجار الكلي، الممتد منذ ثلاثة عقود، وفي ضوء سيادة العولمة، وتحول العالم إلى قرية صغيرة، باتت قيادة المرأة، وفي مختلف مجالات الحياة، أمرا واقعا.

حيال ذلك، ولأن النساء ما زلن بعيدات عن منهاج القيادة، ولأن الحاجة لهن باتت ملحة، سواء في العمل، أو سوى ذلك من مناحي الحياة، تطرح أكاديمية “كُن” دورة تدريبية لتعليم المرأة فن القيادة وتحت عنوان “المرأة في القيادة” وبإشراف إحدى النساء القائدات في المجتمع الأوروبي “رينيه دو بوفوار”.

تقول أكاديمية كُن في الحديث عن سبب تخصيصها هذه الدورة إنه كلما كانت قيادة المرأة، أو إدارتها، عالية الخطورة، وجبَ أن تكون الاستراتيجيات لديها متطورة مرنة. وهذا الأمر، وبحسب الأكاديمية، يحتاج، بالضرورة، إلى بحوث علمية مكثفة تقوم على خبرات المرأة العاملة قبل أي شيء آخر. بمعنى أن المنهاج سيمزج، بطبيعة الحال، بين البحث العلمي، وبين ما تملكه المرأة من مقومات قيادية. وفي هذا اعتراف بأن بناء القيادة لدى النساء لا يبدأ من نقطة الصفر، بل ينطلق من حيث ما تمتلكه النساء من خبرات ومهارات.

وبثقة تامة بمضمون منهاجها، تؤكد الأكاديمية أن الدورة ستؤدي إلى استكشاف كيفية التأثير للاختلافات بين النساء والرجال، وتركز على طرق تواصل المرأة في العمل كمنطلق، والأهم من ذلك هو تناول الدورة للخبرات الإدارية لدى المرأة والتي وضعها الرجال لتناسب الرجال وحسب.

مع تأكيد على أن النهج اللغوي للموضوع المطروح، يساعد المشاركين على الفهم والاستجابة بشكل مناسب.

سنرى في الدورة، وفق تقديم الأكاديمية، مدى تأثر أساليب المحادثة غير المرئية بالخلفيات العرقية والأصل الجغرافي والعمر والطبقة والجنس.

الأكاديمية تطرح شعارها:”كوني قائدة مع أكاديمية كُن”.

أما المحاضرة رينيه دو بوفوار، فتتحدث عن سيرة ذاتية قوية تتمتع بها، وتستهل مقدمتها بالتأكيد على طريقة مثلى لتقديم أفكارها ضمن سلسلة معروفة بسلسلة ٢٢٩ وهي متعلقة بالقيادة الفعالة والنبيلة.

تطرح مثالا لتدخل به إلى عالم القيادة لدى المرأة: إعادة دخول الغرفة. هذه النقطة غنية بالتعريف. تقول رينيه فيها إنه “لنفترض” بأنك دخلت غرفة أثناء حدث ما وكانت مزدحمة بأشخاص لم تحدثهم مؤخرا أو لا ترتاح للحديث معهم. إن إعادة دخول الغرفة، بحسب رينيه، تعني أنك قمت بمواجهة موقف غير مريح لك. موقف يوجز المشكلة: مواجهة شخص لا ترغب بالتواصل معه. قد تفكر للحظة بعدم الدخول، لكن رينيه تشجع على الدخول. الهدف هنا، هو التواصل. ومن هذه الكلمة نبدأ بفهم مفتاح القيادة والذي هو التواصل قبل أي شيء.

التواصل، كلمة ذهبية في عالم القيادة، سواء لدى الرجال أو النساء. هي تتصدر ثلاث كلمات مرتبطة بكل القادة. طبعا بحسب رينيه ومنهاجها الذي لقي رواجا في الكثير من محطات التدريب التي أشرفت عليها في السابق.

التواصل أولا، الإبداع ثانيا، الثقة ثالثا، والكلمات الثلاث تحصل على شروحات لدى رينيه من خلال مثال “إعادة دخول الغرفة”، ثم أن الكلمتين، الثانية والثالثة، تعودان، بعد رواجهما في مسرح القيادة، لتندمجا في الكلمة الذهبية، التي هي التواصل.

تقدم رينيه مثالا: المطرقة التي نستخدمها في البناء. للمطرقة ثلاثة استخدامات، هي الدفع، السحب، التقويم. تسقط تلك الأفعال على القادة، فترى أنهم يعرفون كيف يدفعون بموظفيهم وعمالهم، ويعرفون كيف يسحبون الأمور التي أدت للعطل في البداية، ويجيدون التقويم الذي هو الهدف من الدفع والسحب. كل هذا بحسب رينيه، يؤدي إلى التواصل الذي هو مفتاح كل شيء في شأن القيادة.

لدى رينيه في الدورة أربعة محاور، فإضافة لمقدمة التواصل، لدينا محور القيادة النسائية التي تخلق الخبرات. فمنذ طفولتنا ترعانا المرأة وتهبنا الحياة وتنمينا، ما يعني أن النساء معطاءات، وقياديات بالضرورة.

تتحدث رينيه عن إيثار المرأة في ذروة حضورها كقائدة. تراها ببساطة، منفتحة، ضعيفة، مرنة، تتصرف على أساس إثارة الحماس ووهب الحياة ليس لسبب إنساني وحسب، بل في مجالات العمل أيضا. كأن رينيه تقول بأن المرأة تتنازل عن الكثير من قيادتها، سواء في بيتها، أو محيطها الذكوري، أو في العمل، في سبيل إنجاح كل شأن وكل مجال.

ولأن التواصل هو المفتاح كما ورد، فإن نصيحة رينيه للنساء هي في تواصلهن. الأمر مجاب سلفا عند المرأة، لأنها خاضت التجارب منذ أن أصبحت امرأة. والتجارب عند رينيه هي تواصل بحد ذاته.

تشرح رينيه الخطوات التي تستخدمها النساء للانخراط عبر التواصل والمشاركة بفعالية في الذكاء العاطفي لتحقيق الإنتاجية. تعود هنا لتبرز تجربة المطرقة لتوضح من خلالها كل شيء، وتعتبر تواصل المرأة شبيها بعمل تلك المطرقة القائم على ثلاث أفعال: الدفع، السحب، التقويم. تجزم رينيه أن تربية المرأة للأطفال تقوم على الثلاثة أفعال نفسها:”هي تدفع، تسحب، تقوّم”.

لا بد من بعض المنغصات لعملية التواصل. مثلا الغموض في بعض الأحيان يفرض نفسه، ويمنع الدفع والسحب والتقويم. تجد رينيه مبررا لذلك:”حين لا تريد المرأة أن تجرح أحدا، أو حين تعرف نقطة ضعف زميلة لها، أو شخص ما، يكون السكوت، أو الغموض مبررا، وهذا يمنع قيام فعل التواصل”.

تتحدث عن الإقصاء، وترى أنه يكون أحيانا عن دراية، وأحيانا عن غير دراية، وترى بعض الأسباب له، لكنها لا تبرره.

تصل إلى ثلاثة أسرار تجعل المرأة تبدو على طبيعها، وتعلل تلك الأسرار وترى أنها مكملات لنواقص تشعر بها النساء. أهم ما في ذلك شعورها بنقص في الاكتفاء الذاتي في عملية القيادة. وتركز على أن الشعور بالنقص يكون ملموسا وقد يرى. وأهم مظاهر الشعور بالنقص، شعور المرأة بأنها ليست كالرجل.

أما في الأسرار الثلاثة لتكون المرأة على طبيعتها فنرى التالي ودائما بحسب رينيه:” أن تحيط المرأة نفسها بأشخاص يرونها.. أي الناس الذين يدعمونها ويدعمون رؤاها، وهنا يجب أن ترى نفسها كما يراها هؤلاء. والسر الثاني أن تتعلم كيف تحب نفسها.. فلا مشكلة إذا رأت وزنها زائدا عن الحد الذي تتمناه، وضرورة الابتعاد عن علاقات حب وجسد غير مناسبة. أما كلمة السر الأهم في كل ما لدى المرأة في مسيرتها القيادية فتتجلى في تعلمها كيف ومتى تقول “لا”.

تتعدد البحوث وتكثر الشروحات والأمثلة لدى رينيه دو بوفوار، من أجل الخروج بدورة فعالة في أكاديمية كُن المصرة على الدفع بكل مجالات الحياة إلى الميادين العلمية. يبقى التذكير بأن مدة الدورة ساعتان وأربعون دقيقة وتقدم باللغتين العربية والإنكليزية، وتحصل الطالبات في نهايتها على شهادة إنجاز من أكاديمية فوكس وأكاديمية كن.